2012/03/08

سفر الخروج " أغنية الكعكة الحجرية .. شعر أمل دنقل



تعد قصيدة أمل دنقل «الكعكة الحجرية»، واحدة من أهم قصائد الرفض السياسي، التي اهتز لها جيلنا وجيل الطلاب, الذي وصلت حدة رفضه سياسات السادات إلى ذروتها سنة 1972، وفيها خرج الطلاب في مظاهرات عارمة مطالبين بتحرير الاراضي المغتصبة وانهاء حالة اللاسلم واللاحرب.


والبداية هي «الكعكة الحجرية» التي كانت تسمية رمزية لنصب تذكاري لم يكتمل منه سوى قاعدته، التي كانت تتوسط ميدان «التحرير» في قلب القاهرة، محاطة بمساحات خضراء احتلها الطلاب، واعتصموا فيها احتجاجاً على السياسات الساداتية، مرددين الهتافات والأغاني الوطنية، وقد تعاطفت معهم مجموعات المثقفين التي كانت تتخذ من المقاهي المحيطة بالميدان والقريبة منه (مثل «ريش» و«إيزافيتش») أماكن للالتقاء، وقد تعرض الروائي بهاء طاهر لهذا الاعتصام والمظاهرات المصاحبة له في روايته «قالت ضحى»، بينما كتب أمل دنقل قصيدته «الكعكة الحجرية» التي نشرها في العام نفسه، 1972، في مجلة «سنابل» التي كان يصدرها الشاعر محمد عفيفي مطر، تحت رعاية إبراهيم بغدادي محافظ كفر الشيخ، وقد تسبب نشر القصيدة في إغلاق المجلة، وذلك بسبب التعاطف الكامل الذي أبدته القصيدة مع الطلاب المتمردين، وموقفها الحدَّي الذي يتجه بالإدانة الكاملة للقوة الغاشمة التي تولّت فضّ الاعتصام بقوة السلاح، وهو الأمر الذي أدى إلى سقوط ضحايا من الطلاب الثائرين الذين كان من حقهم أن يمجد شعر التمرّد السياسي مواقفهم البطولية التي كانت تهدف إلى تحرير الوطن والمواطن على السواء.

********************

(الإصحاح الأول)


أيها الواقفون على حافة المذبحة
أشهروا الأسلحة!
سقط الموت، وانفرط القلب كالمسبحة.
والدم انساب فوق الوشاح!
المنازل أضرخة،
والزنازن أضرحة،
والمدى.. أضرحة
فارفعوا الأسلحة
واتبعونى!
أنا ندم الغد والبارحة
رايتى: عظمتان.. وجمجمة،
وشعارى: الصباح!

 (الإصحاح الثاني)


دقت الساعة المتعبة
رفعت أمه الطيبة
عينها..!
(دفعتة كعوب البنادق فى المركبة!)
        
دقت الساعة المتعبة
نهضت؛ نسقت مكتبه..
(صفعته يد..
- أدخلته يد الله فى التجربة!)
     
دقت الساعة المتعبة
جلست أمه؛ رتقت جوربه..
(وخزته عيون المحقق..
حتى تفجر من جلده الدم والأجوبة!)
           
دقت الساعة المتعبة!
دقت الساعة المتعبة!

 (الإصحاح الثالث)


عندما تهبطين على ساحة القوم؛ لا تبدئى بالسلام.
فهم الآن يقتسمون صغارك فوق صحاف الطعام
بعد أن أشعلوا النار فى العش..
والقش..
والسنبلة!
وغداً يذبحونك..
بحثاً عن الكنز فى الحوصلة!
وغدا تغتدى مدن الألف عام.!
مدنا.. للخيام!
مدناً ترتقى درج المقصلة!

 (الإصحاح الرابع)


دقت الساعة القاسية
وقفوا فى ميادينها الجهمة الخاوية
واستداروا على درجات النصب
شجراً من لهب
تعصف الريح بين وريقاته الغضة الدانية
فيئن: "بلادى .. بلادى"
(بلادى البعيدة!)
     
دقة الساعة القاسية
"انظروا .."؛ هتفت غانية
تتلوى بسيارة الرقم الجمركى؛
وتمتمت الثانية:
سوف ينصرفون إذا البرد حل.. وران التعب.
           
دقت الساعة القاسية
كان مذياع مقهى يذيع أحاديثه البالية
عن دعاة الشغب
وهم يستديرون؛
يشتعلون على الكعكة الحجرية حول النصب
شمعدان غضب
يتوهج فى الليل..
والصوت يكتسح العتمة الباقية
يتغنى لأعياد ميلاد مصر الجديدة!

 (الإصحاح الخامس)


اذكرينى!
فقد لوثتنى العناوين فى الصحف الخائنة!
لونتنى.. لأنى منذ الهزيمة لا لون لى..
(غير لون الضياع!)
قبلها؛ كنت أقرأ فى صفحة الرمل..
(والرمل أصبح كالعملة الصعبة،
الرمل أصبح: أبسطة.. تحت أقدام جيش الدفاع)
فاذكرينى؛.. كما تذكرين المهرب.. والمطرب العاطفى.
وكاب العقيد.. وزينة رأس السنة.
اذكرينى إذا نسيتنى شهود العيان
ومضبطة البرلمان
وقائمة التهم المعلنة
والوداع!
الوداع!

 (الإصحاح السادس)

 دقت الساعة الخامسة

ظهر الجند دائرة من دروع وخوذات حرب
ها هم الآن يقتربون رويداً.. رويداً..
يجيئون من كل صوب
والمغنون فى الكعكة الحجرية ينقبضون
وينفرجون
كنبضة قلب!
يشعلون الحناجر،
يستدفئون من البرد والظلمة القارسة
يرفعون الأناشيد فى أوجه الحرس المقترب
يشبكون أياديهم الغضة البائسة
لتصير سياجاً يصد الرصاص!..
الرصاص..
الرصاص..
وآه..
تغنون: "نحن فداؤك يا مصر"
"نحن فداؤ"
وتسقط حنجرة مخرسة
معها يسقط اسمك يا مصر فى الأرض!
لا يتبقى سوى الجسد المتهشم.. والصرخات
على الساحة الدامسة!
دقت الساعة الخامسة
     
دقت الخامسة
     
دقت الخامسة
     
وتفرق ماؤك يا نهر حين بلغت المصب!

*******

المنازل أضرحة،
والزنازن أضرحة،
والمدى أضرحة،
فارفعوا الأسلحة!
ارفعوا
الأسلحة